اضطرابات تونس 2010-2011، الثورة التونسية [3][4][5]، ثورة الياسمين[6][7][8]، هي سلسلة من الاضطرابات بدأت في 17 ديسمبر 2010 في مختلف المدن التونسية، وانتهت في 14 يناير 2011 بإقالة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي[9] . وكان إحتجاج المتظاهرون على انتشار البطالة، ارتفاع أسعار السلع الغذائية، الفساد[10] وسوء الظروف المعيشية. تحولت المظاهرات التي بدأت في ديسمبر 2010 إلى سلسلة من أعمال العنف والاعتقالات من جانب الشرطة والجيش التونسي تجاه المتظاهرين[11][12] وأسفرت المظاهرات عن عشرات القتلى وآلاف من الجرحى.
بدأت في ولاية سيدي بوزيد بعد أقدم محمد البوعزيزي شاب جامعي يعمل بائع متجول على الانتحار في مدينة منزل بوزيان بولاية سيدي بوزيد وسط تونس، احتجاجا على مصادرة عربته التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه. وأعقبها حادث آخر مشابه لشاب جامعي يعاني من الفقر والبطالة.[13] وامتدت تلك الاحتجاجات إلى مدن أخرى منها صفاقس والقيروان وسوسة ومدنين. وأدت تلك المظاهرات التي شملت مدن عديدة في تونس عن سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، وأجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014[14] وتم بعد خطابه فتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد 5 سنوات من الحجب، كما تم تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية تخفيضًا طفيفًا. لكن الانتفاضة توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ بحماية أمنية ليبية إلى السعودية يوم الجمعة 14 يناير 2011[15] فأعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في نفس اليوم عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وذلك حسب الفصل 56 من الدستور، مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول. لكن المجلس الدستوري قرر بعد ذلك بيوم اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا. وفي 17 يناير 2011 أعلن الغنوشية عن تشكيلة الحكومة الجديدة والتي تضمنت 9 رؤساء من الحكومة السابقة و3 من المعارضة. في اليوم التالي انسحب اثنان من وزراء المعارضة اعتراضا على سيطرة أفراد الحكومة القديمة على أهم المناصبة والوزارات في الحكومة الانتقالية
أحداث الاضطرابات
احدى مظاهرات سيدي بوزيد ديسمبر 2010.
محمد البوعزيزي أثناء انتحاره.
ديسمبر 2010
بدأت الاحتجاجات الشعبية في ولاية سيدي بوزيد على بعد 265 كم جنوب تونس العاصمة في 17 ديسمبر 2010 في أعقاب إقدام شاب على الانتحار حرقا احتجاجا على الأوضاع المعيشية المتردّية وتفشي البطالة. وسرعان ما امتدت هذه الاحتجاجات لتشمل غالبية مدن الولاية، أي المكناسي وجلمة والمزونة، ومنزل بوزيان التي شهدت أعنف الاشتباكات، إذ استخدم خلالها أعوان الأمن الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، مما أسفر عن سقوط قتيل وعدد من الجرحى.[17]
متظاهرون يرفعون لافتات مناهضة للحكومة في 9 يناير 2011.
وخرج حوالي 800 متظاهر في بن قردان، وحذر المتظاهرون في بن قردان من أنهم سيصعدون احتجاجاتهم في حال عدم الانصات الى مطالبهم بجدية. وكانت بن قردان قد شهدت أحداث عنف مماثلة قام بها عمال المناجم للمطالبة بحقوقهم واستمرت لعدة أشهر.[18]
يناير 2011
وفي 9 يناير 2011 بلغ عدد قتلى 25 شخصا، طبقا لتقديرات مصادر نقابية تونسية ومنظمة العفو الدولية. ومن جهتها وعدت الحكومة التونسية بإجراءات تصحيحية في مواجهة الاحتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية، وقالت إن رسالة المحتجين وصلت، وذكرت وزارة الداخلية أن عدد قتلى الاحتجاجات ثمانية، سقطوا برصاص الشرطة على خلفية المواجهات العنيفة المستمرة منذ أسابيع.[19]
ومن جانب آخر أوردت مصادر نقابية في مدينة الرقاب بولاية سيدي بوزيد، أن ما لا يقل عن شخصين أحدهما امرأة قتلا برصاص الأمن أثناء تشييع جنازة، وقالت المصادر إن "اعتداء الأمن على أحد المواطنين في المدينة سبب حالة من التوتر".
تشييع جثمان عبد القاهر أقراشي أحد ضحايا اضطرابات تونس، 11 يناير، 2011.
وفي 10 يناير 2011 أعلنت الحكومة التونسية غلق المدارس والجامعات حتى اشعار آخر وذلك في كافة أنحاء البلاد. كما ألقى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في اليوم نفسه، خطابا أعلن فيه عن سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي ستتخذها حكومته قريبا بهدف تحسين أوضاع الشبان عامة والعاطلين عن العمل خاصة. ووعد الرئيس التونسي بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة في 2011 و2012 بمشاركة مؤسسات الدولة والشركات الخاصة. كما اقترح عقد ندوة وطنية تشارك فيها المجالس الدستورية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجامعيين بهدف اقتراح خطط واستراتيجيات جديدة لدعم سياسة العمل التي تعد أبرز أولويات تونس بحسب بن علي.[20]
وتعهد الرئيس التونسي بإعطاء دفع جديد للإعلام الجهور وتخصيص مساحات إعلامية أوسع لكل ولايات الجنوب لتعبر عن مشاكلها إضافة إلى دعم وحدات إنتاج السمعية البصرية لفسح المجال أمام المواطنين للتعبير عن أرائهم ومتطلباتهم، داعيا في الوقت نفسه نواب الشعب والهياكل المركزية والحزبية الإصغاء إلى المواطنين وإقامة جسر للحوار معهم وتسوية مشاكلهم. وللتخفيف من عبء البطالة، قرر بن علي إعفاء كل مشروع اقتصادي جديد من دفع الضرائب في الأرباح لمدة عشر سنوات.
واتهم الرئيس التونسي أطراف أجنبية من دون أن يسميها بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ ديسمبر 2010، داعيا الأولياء والمواطنين إلى إبعاد أبناءهم عن المشاغبين والمفسدين الذين يخدمون بحسبه أطراف حاقدة. كما تعهد بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين رغم محدودية قدرات تونس المالية.
رئيس الوزراء محمد الغنوشي في لقاء صحفي 12 يناير 2011.
وفي 11 يناير تجددت المواجاهات بمدينة قفصة والقصر بين المواطنين وقوات الأمن. ففي حي النّور حدثت مواجاهات تمركزت أساسا في وسط الحي على الطريق الرئيس المؤدي إلى ولاية القصرين وفي بلدية القصر ولالة تجددت المواجهات وحاول المحتجون اقتحام مقر الجامعة الدستورية وتواصلت الايقافات خاصة بين متساكني حي النور حيث شوهد عديد المواطنين أمام منطقة الأمن بقفصة للسؤال عن أبنائهم.[21]
وفي بلدية القصر أوقف الشاب أيوب الضاوي والسجين السياسي السابق محسن سوداني الحاصل على دكتورا في الفلسفة والعاطل عن العمل. كما أفاد شهود عيان من معتمدية القطار من ولاية قفصة أن ليلة البارحة شهدت مواجهات بين أعوان الأمن والشباب وقد تم استعمال القنابل المسيلة للدموع.
وفي مدينة أم العرائس المنجمية أن اندلعت مواجاهات عنيفة بين الشباب وأعوان الأمن تمركزت أساسا في الحي العمالي وحي التحرير وأولاد وصيف وتسبب الإطلاق الكثيف للقنابل المسيلة للدموع في حالات إغماء كثيرة خاصة في صفوف الأطفال. وبعد أن هدأت المواجاهت شوهد أعوان البلدية يقومون بحملة لتنظيف الشوارع.
وذكرت مصادر نقابية بالقصرين لموقع كلمة تونس الإلكتروني أن الفرق الخاصة اقتحمت عددة أحياء بالقصرين لاعتقال الشباب، وأفادت مصادرنا أن تلك الفرق اعتدت بالفاحشة على فتيات في بيوتهن أمام أنظار أهاليهن.[22]
المواجهات بين المحتجين والشرطة التونسية في ضحاية التضامن بالقرب من تونس العاصمة، 13 يناير 2010.
في 13 يناير 2011، قتل أربعة أشخاص، بينهم ثلاثة في مدينة منزل بورقيبة والرابع في مدينة بنزرت، كما أوردت وكالة رويترز أن شخصا قتل في اشتباكات في ضاحية التضامن، تونس العاصمة. وتجددت الاشتباكات في منطقة الكرم في الضاحية الشمالية من العاصمة بعد محاولة مجموعة من الشباب الخروج لفك حظر التجوال. وتجمعت حشود في مدينة القصرين طالبت بتنحي الرئيس بن علي عن الحكم.[23]
المباني المحترقة في ضاحية التضامن 13 يناير 2011.
وفي بلدة دوز الصحراوية قال ثلاثة شهود إن أربعة أشخاص على الأقل بينهم أستاذ جامعي قتلوا يوم أمس عندما أطلقت الشرطة النار على المحتجين. وقال شاهدان لرويترز إن الشرطة بمدينة تالة جنوب غرب العاصمة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد من المحتجين ثم أطلقت النار بعد ذلك، مما أدى لمقتل شاب. واعتقلت الشرطة التونسية زعيم حزب العمال الشيوعي المحظور حمة الهمامي في منزله قرب العاصمة التونسية، وهو أحد المعارضين البارزين للرئيس بن علي.
حطام ماكينة صرف آلي في ضاحية التضامن، 13 يناير 2011.[24]
وفي اليوم نفسه أقال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، اثنين من مستشاريه، هما عبد الوهاب عبد الله مستشاره السياسي، وعبد العزيز بن ضياء المتحدث باسم الرئاسة، فيما نفى ناطق باسم الحكومة التونسية استقالة وزير الخارجية، علي خلفية، بينما أعلن التليفزيون التونسي في خبر عاجل أن الرئيس بن علي سيوجه خطاباً للشعب مساء الخميس 13 يناير.[25]
فرار بن علي
متظاهرون يحرقون صورة بن علي أثناء مظاهرات تونس 2011.
زين العابدين بن علي.
في 14 يناير، حل بن علي الحكومة التونسية وأعلن حالة الطوارئ في البلاد. وصرحت مصادر رسمية إن إعلان حالة الطوارئ سببه حماية الأرواح والممتلكات. كما منعت السلطات التجمعات فيما أكثر من ثلاثة أشخاص، حيث يتم القبض عليهم أو إطلاق الرصاص اذا ما حاولوا الهرب. كما أعلن عن الدعوى لانتخابات برلمانية عاجلة خلال ستة أشهر. [26] [27]وفي 14 يناير أعلنت وكالات الأنباء عن تنحي الرئيس زين العابدين بن علي وسفره إلى مكان غير معلوم وعن تولي رئيس الوزراء محمد الغنوشي السلطة بصفة مؤقتة.
تشكيل المحكومة الانتقالية
محمد الغنوشي في مؤتمر صحفي قبل اعلان حكومة الوحدة 17 يناير 2011.
في 17 يناير 2011 أعلن الغنوشي عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عدد من رموز المعارضة وأكد على فصل
رد فعل الحكومة
تطويق الشرطة لسيدي بوزيد ديسمبر 2010.
وفي تعاطيها مع هذه الأزمات، اتبعت السلطات التونسية الحل الذي تراه أكثر نجاعة وهو الحل الأمني المتمثل في الدفع بتعزيزات أمنية ضخمة إلى هذه المناطق لقمع الاحتجاجات وشن حملة اعتقالات واسعة تستهدف من ترى أنهم قادة الاحتجاجات.
وفي أحداث الحوض المنجمي اعتقلت السلطات القيادات النقابية التي سعت على مدى أسابيع الاحتجاج إلى تأطير التحركات والحرص على عدم خروجها عن الطابع السلمي المطالب بالحق في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
وفي مرحلة لاحقة يتم اللجوء إلى القضاء بعد توجيه تهم حق عام لقادة الاحتجاجات على شاكلة "تكوين عصابة" و"الانضمام إلى وفاق إجرامي" و "الإضرار بممتلكات الغير" وغيرها, ليتم تسليط عقوبات بالسجن يقول أغلب المراقبين إنها "قاسية".
ويرافق الحل الأمني تعتيم إعلامي مطبق حيث تمنع السلطات جميع الصحفيين التونسيين والأجانب من الوصول إلى مناطق الاحتجاجات، وتقتصر وسائل الإعلام الوطنية على بث البيانات المقتضبة التي تبثها وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وتجدر الإشارة إلى أن جملة من الروابط تجمع بين مختلف هذه التحركات أبرزها الموقع الجغرافي حيث انطلقت الاحتجاجات بمناطق داخلية تنعدم بها المشاريع الاقتصادية وترتفع فيها نسبة البطالة خاصة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية.
وتتسم هذه الاحتجاجات كذلك بطابع التحركات العفوية غير المؤطرة وغير المنظمة، وترتبط بالطابع الاجتماعي أكثر من الطابع السياسي رغم رفعها في بعض الأحيان شعارات سياسية على غرار "الثبات الثبات ضد حكم المافيات" أو "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق".
بقي أن نشير إلى أن الخبراء يرون أنه حتى في صورة إخماد انتفاضة سيدي بوزيد، التي مازالت متواصلة، تبقى الأوضاع مرشحة للانفجار في كل لحظة خاصة في المناطق الأخرى المحرومة على غرار مدن الشمال الغربي أو الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدن الكبرى ما لم تعالج قضية التهميش الاجتماعي والتباين الجهوي بصفة جذرية.
ناقلة جنود مدرعة أثناء دورية في بلدة قرب العاصمة تونس، 12 يناير 2011.
في 12 يناير 2011 أقال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وزير الداخلية وأفرج عن محتجين معتقلين. ويقول المحتجون انهم يطالبون بوظائف وانهم غاضبون بسبب الفساد وما يقولون انها حكومة قمعية لكن مسؤولين قالوا ان الاحتجاجات استولت عليها أقلية من المتطرفين الذين يريدون تقويض تونس.[29] كما فرضت السلطات حظر التجوال ليلا من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحاً (بالتوقيت المحلي) في العاصمة وضواحيها، مشيراً إلى أن الحظر سيُطبّق لفترة مفتوحة. وجاءت هذه الخطوة بعد امتداد المواجهات إلى العاصمة للمرة الأولى، رغم اللجوء إلى نشر وحدات من الجيش في بعض المواقع الاستراتيجية فيها. كما تم نشر وحدات من الجيش.
المعارضة
أدانت المعارضة التونسية لجوء السلطة إلى القوة ضد متظاهرين في بلدة سيدي بوزيد وفي العاصمة تونس محذرة من اللجوء إلى الحلول الأمنية بدلا من تبني الحوار. كما طالبت بتنمية شاملة وعادلة في جميع مناطق البلاد من أجل حل مشاكل البطالة والفقر.[30]
وانتقدت حركة التجديد التونسية المعارضة المشروعة لجوء السلطات التونسية الى استخدام القوة ضد المتظاهرين في ولاية سيدي بوزيد التي تشهد اضطرابات اجتماعية. وقالت الحركة في بيان انها "تدين بشدة استخدام الاسلحة لمواجهة الاحتجاجات الشعبية وتحذر من اللجوء الى الحلول الامنية بدلا من تبني الحوار". واكدت مصادر رسمية ونقابية ان مواجهات عنيفة حصلت الجمعة بين متظاهرين والشرطة في ولاية سيدي بوزيد في وسط غرب تونس واسفرت عن سقوط قتيل وعدد من الجرحى.
وكان دعا الحزب الديموقراطي التقدمي (معارضة مصرح لها) دعا الى وضع حد لحملة الاعتقالات وفتح حوار مع مكونات المجتمع المدني والعاطلين عن العمل الشباب.
في 11 يناير 2011 دعا الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في تونس إلى حكومة إنقاذ وطني. واعتبر الحزب في بيان حمل توقيع الأمينة العامة مية الجريبي، أن الحكومة الحالية فقدت ثقة الشعب نهائيا وباتت عاجزة عن تحقيق برنامج إصلاحي، مؤكدا أن تونس لن تجد طريقها إلى الاستقرار ما لم يتم القيام بهذه الإصلاحات وإعداد تونس للانتقال إلى الديمقراطية في أفق 2014. وطالب الحزب بالوقف الفوري لإطلاق النار على المتظاهرين، وسحب قوات مكافحة الشغب وقوات الجيش من داخل المدن، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، وفتح تحقيق بشأن الأزمة وكذلك فتح حوار مباشر مع ممثلي الشباب العاطل عن العمل قصد إيجاد الحلول العاجلة لهم..[31]
وجاء في بيان الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان عن تزايد عدد الضحايات في الأيام الأخيرة من الاحتجاجات من 9-11 يناير، حيث وصل إلى 35 شخص، وجرح المئات من الأشخاص. وأفاد شهود عيان من مدينة تالة التابعة لولاية القصرين بان المدينة شهدت تمشيطا أمنيا مكثفا وتحذيرات من الشرطة بمكبرات الصوت بعدم التجمهر كما نشرت قناصة فوق أسطح المنازل.
النقابات العمالية
قالت مصادر نقابية وحقوقية في تونس إن مظاهرات سلمية خرجت في ولايات مدنين والقيروان وصفاقس تضامنا مع تحركات ولاية سيدي بوزيد، واحتجاجا على الظروف المعيشية الصعبة وتفشي البطالة بهذه المناطق، بينما تدخلت أجهزة الأمن لتفريقها بالقوة.
وشارك في هذه المظاهرات التي جابت شوارع المدن المذكورة مئات من النقابيين والطلبة، والذين رفعوا خلالها شعارات تندد بغلاء المعيشة، وتفشي البطالة، وتطالب بتوفير فرص عمل لحاملي الشهادات الجامعية.
وخرج عشرات المواطنين من أمام مقر الاتحاد المحلي للشغل بمدينة بن قردان –من ولاية مدنين- في مسيرة جابت شوارع المدينة قبل أن ينضم إليها مئات المواطنين، ورفعوا شعارات تطالب بتوفير فرص العمل لخريجي الشهادات العليا، وعبرت عن التضامن مع أهالي سيدي بوزيد.
الاحتجاجات في سيدي بوزيد دخلت أسبوعها الثاني بينما بدأت جهات أخرى بالتضامن وقال النقابي حسين بالطيب لرويترز "رسالتنا واضحة هي المطالبة بتنمية عادلة بين الجهات وتوفير فرص الشغل للجميع، ونحن خرجنا نتضامن مع أهلنا في سيدي بوزيد".
وفي هذه الأثناء خرج العشرات من النقابيين في مدينة القيروان (150 كلم جنوب تونس العاصمة) وتجمعوا اليوم أمام مقر الاتحاد الجهوي للشغل بالمدينة، وخرجوا في مسيرة سلمية طالبوا فيها بالحق والشغل والتنمية.
ووفق مصادر نقابية فقد تدخلت قوات الأمن بقوة لتفريق المتظاهرين الذين تعرض عدد منهم إلى التعنيف، منهم إسماعيل الظاهري الذي نقل إلى المستشفى، وكاتب عام النقابة الجهوية للتعليم الثانوي عبد العزيز السبري.
كما شهدت مدينة صفاقس (275 كلم جنوب تونس العاصمة) هي الأخرى اليوم مسيرة سلمية طالب خلالها المتظاهرون بتمكين أبناء المدينة من حاملي الشهادات الجامعية بفرص عمل، وبتوزيع عادل لمقومات التنمية، وأعربوا عن تضامنهم مع أهالي سيدي بوزيد.
وكانت العاصمة تونس قد شهدت السبت مظاهرة شارك فيها مئات التونسيين احتجاجا على تفشي البطالة، وللتعبير عن تضامنهم مع سكان ولاية سيدي بوزيد.
وانطلقت المظاهرة التي شارك فيها نقابيون وحقوقيون وطلبة ومدونون من ساحة محمد علي الحامي أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل لتجوب شارع المنجي سليم.
ورفع المتظاهرون، الذين قدر نقابيون عددهم بنحو خمسمائة شخص، شعارات "يا حكومة عار عار الأسعار شعلت نار" و"الشغل استحقاق" و"لا للاستبداد" و"الحرية كرامة وطنية".
وقال وزير التنمية والتعاون الدولي محمد النوري الجويني إن مطالب الشباب بحق الشغل مشروعة، لكن ذلك لا يبرر -وفق قوله- استعمال العنف في الاحتجاجات، ودعا إلى الحوار مع جميع الأطراف الاجتماعية لإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة.
وكشف الجويني أن الحكومة وضعت برنامجا بقيمة خمسة مليارات دولار لتحقيق التنمية الشاملة في جميع جهات البلاد, مضيفا أنه سيتم العمل على تنفيذ هذا البرنامج من خلال التنسيق مع كل الأطراف الاجتماعية سواء الرسمية أو غير الرسمية.
وكانت وكالة الأنباء التونسية الرسمية ذكرت في وقت سابق أن الجويني أعلن قرارا رئاسيا بإطلاق دفعة أولى من المشاريع بقيمة 15 مليون دولار لتوفير مزيد من الوظائف في ولاية سيدي بوزيد، إضافة إلى التوقيع على توزيع 306 إشعارات موافقة على تمويل حكومي لعدد من الشبان خاصة من خريجي التعليم العالي لإنجاز مشاريع خاصة.
ويرى المراقبون أن السلطات التونسية في سباق مع الوقت لإخماد تلك الاحتجاجات قبل انتهاء العطلة وعودة التلاميذ والطلاب إلى مؤسساتهم التعليمية مع مطلع السنة الجديدة، مما قد يزيد الأوضاع توترا.
كما يشيرون إلى أن التحركات الاحتجاجية رغم مضمونها الاجتماعي تعبر عن حالة من الغليان الشعبي ضد مظاهر الفساد لدى الأوساط الحاكمة، وتفشي الرشوة والمحسوبية، والتفاوت الكبير في التنمية بين االجهات، والقبضة الأمنية الشديدة.
ردود الأفعال العالمية
الولايات المتحدة
المقال الرئيسي: العلاقات الأمريكية التونسية
في 9 يناير، استدعت وزارة الخارجية الأميركية السفير التونسي في واشنطن محمد صلاح تقية وسلمته رسالة تعبر عن القلق الأميركي من الطريقة التي تم التعامل بها مع الاحتجاجات في تونس. ورداً على ذلك، استدعت وزارة الخارجية التونسية سفير الولايات المتحدة لدى تونس گوردن گراي وأبلغته استغرابها من الموقف الذي عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية على خلفية الاحتجاجات الشعبية في تونس.
وفي 12 يناير 2011 قال مارك تونر الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إن إدارة الرئيس باراك أوباما «قلقة جداً بسبب تقارير عن استخدام الحكومة التونسية المفرط للقوة» ضد المحتجين.[32]
وعلى إثر مغادرة الرئيس بن علي لتونس، وجه الرئيس الأمريكي باراك اوباما رسالة تهنئة للشعب التونسي على شجاعته وكرامته.
وفي 14 يناير، أعلن ستيڤن كوك المسئول عن مكتب الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، بالغ النفوذ، أن الجيش التونسي هو من أقال الرئيس بن علي وأن الجيش مسيطر على البلاد. ثم أردف أنه ليس المهم أن يكون قادة الجيش ديمقراطيين أم لا، ولكن المهم هو تصميمهم على ازالة الفساد والنهب. ثم ينبه كوك إلى أن الثورة ضد بن علي كانت خالية من الإسلاميين، وهذا - على حد قوله- يطمئن المتخوفين من أن القوى الإسلامية هي القوة الاجتماعية القوية الوحيدة في المنطقة. إلا أن كوك يلفت النظر إلى أن تونس ليست لها أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، على العكس من مصر والجزائر والأردن ولذلك فهو يتشكك في أن تمتد موجة الثورات إلى دول عربية أخرى.[33]
فرنسا
المقال الرئيسي: العلاقات التونسية الفرنسية
ردود الفعل الدولية
جامعة الدول العربية: أكد المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية أن الجامعة قلقة من الأوضاع في تونس، وإنها تراقبها عن كثب، ودعا جميع الأطراف العمل على التوصل لاجماع وطني يخرج البلاد من أزمتها[34].
الأمم المتحدة: أعرب أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه إزاء التطورات الجارية في تونس وأسفه للخسائر الحاصلة في الأرواح، ودعا إلى البحث عن تسوية ديمقراطية للأزمة والاحترام الكامل لحرية التعبير والتجمع[35].
الاتحاد الاوروبي: دعا الاتحاد الأوروبي إلى حل ديمقراطي ودائم في تونس، كما دعا إلى الهدوء بعد خروج زين العابدين بن علي[35].
السعودية: رحب الديوان الملكي السعودي بقدوم بن علي وأسرته إلى الأراضي السعودية"[36]، وأصدار الديوان الملكي بيانا ذكر فيه: "تقدير حكومة المملكة العربية السعودية للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق وتمنياتها بأن يسود الأمن والاستقرار في هذا الوطن العزيز على الأمتين العربية والإسلامية جمعاء وتأييدها لكل إجراء يعود بالخير للشعب التونسي الشقيق[36].
ليبيا: أعلن معمر القذافي أن الشعب التونسي تعجل الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي واصفا إياه بأنه "أفضل" شخص يحكم تونس
[37]، وقال إنه "لا يوجد أحسن من الزين أبدا في هذه الفترة، بل أتمناه ليس إلى عام 2014، بل أن يبقى إلى مدى الحياة"، وأن النمو الاقتصادي الحاصل في عهده استثنائي وتاريخي وأنه كان من الممكن محاكمة أي مسؤول متورط في قضايا فساد وإجراء استفتاء على رئاسته أو الانتظار إلى سنة 2014 حيث نهاية فترته الرئاسية والتي كان الرئيس بن علي قد تعهد أن تكون آخر ولاية رئاسية له، كما حذر من إنزلاق تونس في دوامة عنف[38][39].
مصر: أعلنت في بيان لوزارة الخارجية إنها تؤكد احترامها لخيارات الشعب في تونس الشقيقة، وإنها تثق في حكمة الأشقاء التونسيين وقدرتهم على تثبيت الوضع وتجنب سقوط تونس في الفوضى[40]. أما على الصعيد الشعبي، فقد تظاهر عشرات النشطاء السياسيين المصريين أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة للتعبير عن دعمهم للثورة الشعبية في تونس، رافعين الأعلام المصرية والتونسية [41].
قطر: أعلنت حسب مصدر مسؤول في وزارة الخارجية إنها تراقب الأحداث الجارية في تونس وتحترم إرادة الشعب التونسي وخياراته، وتؤكد على الإلتزام بعلاقتها المتينة مع الشعب التونسي وحرصها على علاقاتها المميزة مع الجمهورية التونسية[34].
الكويت: أعلنت على لسان وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح إنها تحترم خيارات الشعب التونسي وتمنياتها بأن يعود الأمن والاستقرار إلى ربوع تونس، وأن يعمل أبناء تونس على تجاوز هذه المرحلة الدقيقة بما يحقق لهم الأمن والاستقرار والوصول الى توافق وطني يحفظ المصالح العليا للوطن وابنائه وينأ بهم عن أجواء الفوضى[42].
الولايات المتحدة: أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشجاعة الشعب التونسي، وقال إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المجتمع الدولي للشهادة على هذا النضال الشجاع من أجل الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها، وإنه سيذكر على الدوام صور الشعب التونسي الذي يسعى لإسماع صوته[35].
فرنسا: رفضت الحكومة الفرنسية قدوم الرئيس بن علي إلى فرنسا وذلك لعدم رغبتها في إثارة استياء الجالية التونسية المقيمة فيها[35]. كما أعلن مكتب الرئيس نيكولا ساركوزي عن إن فرنسا اتخذت الخطوات الضرورية لضمان منع أي تحركات مالية مشبوهة للأصول التونسية في فرنسا إداريًا، وأكد على الاستعداد لتلبية أي طلب للمساعدة على ضمان سير العملية الديمقراطية بطريقة لا تقبل الجدل، كما دعا البيان إلى إجراء انتخابات حرة بأسرع ما يمكن[43].
المملكة المتحدة: أعلنت في بيان صادر عن وزارة الخارجية إن تونس تعيش لحظة تاريخية، وإن الشعب التونسي عبر خلال الأسابيع الماضية عن تطلعاته[35].
روسيا: أكدت الخارجية الروسية على لسان الناطق الرسمي باسم الوزارة على أهمية استعادة السلام والاستقرار في تونس بأسلوب الحوار الديموقراطي وفي أطر الدستور، مع التشديد على أن إعادة الأوضاع الى مجراها الطبيعي في أسرع وقت ممكن هو من مصلحة أبناء الشعب التونسي، وأعرب عن القلق الشديد إزاء التطوارات الأخيرة في تونس[44].
الصين: عبر وزير الخارجية عن قلق بلاده من الأوضاع، وأعلن عن الأمل باستقرار الأوضاع في أقرب وقت ممكن، ووصف تونس بأنها صديقة للصين[45].
ألمانيا: دعت جميع الأطراف للحوار ولإيجاد حلول سلمية والحد من وقوع مزيد من الضحايا والأضرار[35]، كما نقل عن المستشارة ألمانية أنجيلا ميركل دعوتها إلى تأسيس ديمقراطية في تونس[43] وتقول إن هناك الآن فرصة لبداية جديدة في تونس، وأنه يتعين على تونس أن تتخذ خطوات باتجاه الديمقراطية والحقوق الأساسية مثل حرية الصحافة والتجمع، معربة عن استعداد بلادها للمساعدة في ذلك[43].
إيطاليا: دعا وزير الخارجية فرانكو فراتيني مؤسسات الدولة والمجتمع التونسي بضبط النفس والهدوء والحوار للتوصل إلى طريق للخروج من هذه الأوضاع الصعبة[43].
إيران: أعلنت في بيان صادر عن وزارة الخارجية إن المهم هو تنفيذ مطلب الأمة التونسية بأفضل شكل ممكن بصفتها دولة يمكنها أن تلعب دورا فعالًا في العالم الإسلامي[43].
تركيا: أعربت وزارة الخارجية التركية عن قلقها وأسفها العميقين إزاء الأحداث الراهنة في تونس، وقالت إن تركيا تأمل بصدق ألا يتصاعد التوتر أكثر، وأن تتم استعادة النظام والهدوء في البلاد[46].
احتجاجات أخرى
أتي الاحتجاجات الشعبية بولاية سيدي بوزيد التونسية لتضاف إلى سلسلة احتجاجات مماثلة عرفتها البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، اشتركت في المطالبة بالحق في الشغل والعيش الكريم والتنديد بجميع مظاهر الفساد والإقصاء والتهميش.
ولعل الرابط بين هذه التحركات اندلاعها بالمناطق الداخلية بوسط البلاد وجنوبها واتخاذها البعد الاجتماعي أكثر من السياسي، إضافة إلى طابعها العفوي البعيد عن أي شكل من أشكال التنظيم أو التأطير.
انتفاضة عمال مناجم الرديف
احتجاجات عمال المناجم في الرديف والتي استمرت عدة أشهر.
المقال الرئيسي: انتفاضة عمال مناجم الرديف
ففي بداية العام 2008 انطلقت من مدينة الرديف التابعة لولاية قفصة بالجنوب الغربي لتونس احتجاجات اجتماعية سرعان ما امتدت إلى مختلف مدن الحوض المنجمي وبعض المدن المجاورة.
وقد بدأ التحرك الاجتماعي في شكل احتجاج على نتائج اختبار للحصول على وظائف بشركة فسفاط قفصة -أكبر مشغل بالجهة- رأى الأهالي أنه لم يكن نزيها وشابته المحسوبية, ثم تطورت الأحداث لتصبح احتجاجا على الفساد وانعدام فرص الشغل ونقص المشاريع التنمية بالجهة الغنية بالفوسفات.
وتواصلت هذه الاحتجاجات عدة أشهر تم خلالها تنظيم مظاهرات واعتصامات وإضرابات, وسقط خلالها قتيلان وعدد غير محدد من المصابين إضافة إلى عشرات المعتقلين.
وقد حاولت السلطات المحلية والمركزية تطويق الأزمة عن طريق ممثليها المحليين الذين لا يستطيعون تقديم أي شيء ملموس باستثناء الوعود، التي لا تفلح عادة في نزع فتيل غضب الأهالي ووقف الاحتجاج.
ورغم اعتراف الحكومة التونسية بوقوع تجاوزات في التعاطي مع هذه الأزمة إلا أنها لم تعمل على تدارك الأمر مما زاد في موجة الاحتجاجات وفتح الباب أمام المزيد من التوتر.
انتفاضة التجار في بن قردان
المقال الرئيسي: انتفاضة التجار في بن قردان
في أغسطس 2010، تفجرت الأوضاع مرة أخرى وبالجنوب الشرقي هذه المرة حيث انتفض سكان مدينة بن قردان التابعة لولاية مدنين احتجاجا على تضييق السلطات على التجارة مع ليبيا التي تعتبر المصدر الرئيسي لرزق سكان المدينة.
وبدأت الاحتجاجات إثر قرار تحويل العمليات التجارية مباشرة بين ميناءي طرابلس الليبية وصفاقس مما يعني عمليا القضاء على دور الحمالين والوسطاء بمعبر المدينة الحدودي.
وتطورت الأزمة لتتخذ منعرجا خطيرا بعد قرار ليبيا فرض ضريبة دخول على السيارات, ومنع بيع البضائع الليبية إلا لمن يملكون رخصة تصدير وتوريد، أي القضاء نهائيا على النشاط التجاري لأهالي بن قردان.
فاندلعت مواجهات بين الأهالي المتظاهرين وقوات الأمن التونسية التي تحاول السيطرة على الوضع بعد قرار غلق معبر رأس جدير الحدودي، خاصة أمام الغموض الذي يكتنف القرارات الليبية خاصة بعد سريان شائعات تؤكد وقوف جهات تونسية متنفذة وراء القرار.